تاريخ البشت

البشت: دراسة تاريخية وثقافية في أحد أبرز رموز الهوية العربية


المقدمة

يُعد البشت، أو المشلح كما يُعرف في بعض مناطق الجزيرة العربية، من أبرز الرموز الثقافية والاجتماعية في العالم العربي، لا سيما في منطقة الخليج. وقد تجاوز دوره كلباس تقليدي ليصبح رمزًا للهيبة والوقار والمكانة الاجتماعية. هذا المقال يتناول تاريخ البشت، نشأته، تطوره، أنواعه، رمزيته الاجتماعية، وبروتوكولاته الرسمية، مع توثيق علمي ومقارنات دقيقة.


أولًا: النشأة والتاريخ



1- البدايات القديمة

يرجع تاريخ البشت إلى العصور الجاهلية وما قبلها، حيث كان يُستخدم كغطاء واقٍ من حر الصحراء وبردها. وتذكر بعض الوثائق التاريخية، مثل كتابات المؤرخ الإغريقي هيرودوت (القرن الخامس قبل الميلاد)، إشارات إلى لباس يشبه العباءة كان يرتديه الجنود العرب، يُعتقد أنه شكل أولي للبشت الحالي.


2- في العصر الإسلامي

كان البشت رمزًا للهيبة والعلم، وارتبط بعلماء الدين والقضاة والوجهاء. وتشير الروايات إلى أن النبي محمد صلى الله عليه وسلم ارتدى العباءة في مناسبات متعددة، مما أضفى عليها طابعًا دينيًا وهيبة معنوية.


3- في العصر الحديث

استمر البشت في التطور، فأصبح يُلبس في المناسبات الرسمية كحفلات الزفاف، والمراسم الوطنية، والاجتماعات الحكومية. كما احتفظ بدوره كرمز للتكريم والتشريف، إذ يُهدى أحيانًا إلى القادة أو الشخصيات البارزة.



ثانيًا: أصل التسمية

يربط بعض الباحثين الكلمة باللغة الأكادية من مصطلح "بشتو" والتي تعني "النبل أو الكرامة".

كما توجد إشارات إلى أصل عربي من الكلمة "بتّ"، وتعني الكساء المصنوع من الصوف أو الوبر.

توجد فرضية تشير إلى أنها قد تكون تطورًا صوتيًا أو دلاليًا لكلمات قديمة استخدمت للدلالة على اللباس الخارجي دون اتفاق قاطع على مصدرها الأصلي.


ثالثًا: البشت في البروتوكولات الرسمية

1- في الديوان الملكي السعودي

يتبع ارتداء البشت بروتوكولًا خاصًا في الديوان الملكي السعودي، حيث يتم تحديد لون البشت بحسب يوم الأسبوع.

السبت: أشقر (بني فاتح)

الأحد: ليموني

الاثنين: عودي

الثلاثاء: أسود

الأربعاء: زعفراني

الخميس: بيج

الجمعة: أبيض سكري


2- رمزية البروتوكول

  • يعكس الهوية الوطنية والانتماء.
  • ينظم المناسبات الرسمية ويوحّد المظهر العام.
  • يعبر عن الاحترام والهيبة في المناسبات الرسمية.


رابعًا: أنواع الزري



1- الزري اليدوي

يُصنع من الفضة المطلية بالذهب، ويستغرق صنعه من 15 إلى 25 يومًا. يتميز بفخامته ودقته العالية.

أشهر أنواعه:

  • الزري الألماني: يتميز بجودة عالية، وضمان يصل إلى 10 سنوات، وسعر يقارب 4000 ريال.
  • الزري الهندي: أقل سعرًا، مصنوع من خيوط فضة عادية، بضمان 5 سنوات، وسعره حوالي 2500 ريال.


2- الزري الكومبيوتري

يصنع باستخدام آلات رقمية، ويُعد أكثر انتشارًا بسبب انخفاض تكلفته وسرعة إنتاجه.

من أنواعه:

  • الزري الياباني: يتميز بدقة عالية تصل إلى أكثر من 300 ألف غرزة، وضمان 10 سنوات.
  • الزري الصيني: اقتصادي، يحتوي على نحو 60 ألف غرزة، وضمان 5 سنوات.
  • الزري الفرنسي، التركي، الكوري: تتفاوت جودتها، وغالبًا أقل من الياباني والألماني.


خامسًا: أنواع الأقمشة

يصنع البشت من خامات متعددة تختلف حسب الموسم والغرض:

  • الصوف: مثالي لفصل الشتاء، ويوجد منه الخشن والناعم.
  • الوبر: يُستخدم في المناطق الصحراوية، وهو من شعر الإبل أو الماعز.
  • الحرير: للبشوت الفاخرة والمناسبات الخاصة.
  • المخمل: يعطي مظهرًا فخمًا وأنيقًا، يُستخدم في المناسبات الرسمية.
  • القماش الياباني: شائع في البشوت الحديثة، خفيف ومتين، مناسب لفصل الصيف.

أقدم العباءات المعروفة عند العرب كانت "العباءة البرقاء"، المصنوعة من صوف مخطط بالأبيض والأسود.


سادسًا: الأبعاد التاريخية والثقافية للبشت

1- في العصر الجاهلي

كان يُلبس فوق الملابس من قِبل الرجال في الحضر والبادية، لحمايتهم من عوامل الطقس.


2- في العصر الإسلامي

كان النبي محمد صلى الله عليه وسلم وأصحابه يرتدونه، وأصبح رمزًا للعلماء والقضاة وأهل الفضل.


3- في العصور الحديثة

يُعتبر البشت اليوم جزءًا أساسيًا من اللباس الرسمي في دول الخليج، ويُرتدى في المناسبات المهمة.


سابعًا: أهمية البشت ثقافيًا واجتماعيًا

  • رمز للمكانة الاجتماعية والوقار.
  • يعبر عن الهوية الوطنية والانتماء الثقافي.
  • يُستخدم في التكريم الرسمي والمناسبات الوطنية والدينية.
  • يعكس الحرفية والفن في تفاصيل الزري والأقمشة.


ثامنًا: أشهر أنواع البشوت

  • البشت الحساوي: من الأحساء، يتميز بالخفة والفخامة.
  • البشت النجفي: من النجف في العراق، مصنوع يدويًا وزريه فخم.
  • البشت القطري: نال شهرة عالمية بعد ارتدائه من قبل ليونيل ميسي في مونديال 2022.


تاسعًا: ألوان البشت واستخداماتها

  • الأسود: رسمي ومناسب للمناسبات الحكومية والدينية.
  • الأبيض: يُلبس في المناسبات الدينية والجمعة.
  • البني والبيج: للمناسبات غير الرسمية.
  • العسلي والزعفراني: للمناسبات الفاخرة وحفلات الزفاف.
  • الذهبي: يُستخدم في البشوت الفاخرة، ويضفي مظهرًا مهيبًا.


عاشرًا: شخصيات بارزة ارتدت البشت



  • الملك عبدالعزيز آل سعود: ارتبطت صورته بالبشت الأسود.
  • الشيخ زايد بن سلطان: كان يرتدي البشت الأبيض في المحافل الرسمية.
  • ليونيل ميسي: ارتدى بشتًا قطريًا في نهائي كأس العالم، ما أضفى عليه بعدًا عالميًا.
  • كبار العلماء والقضاة، مثل الشيخ ابن باز وابن عثيمين.


خاتمة

البشت ليس مجرد لباس تقليدي، بل هو جزء لا يتجزأ من الهوية الثقافية العربية، يعكس التراث والتقاليد، ويحمل دلالات اجتماعية وتاريخية عميقة. تتجلى فيه مظاهر الفخامة، والرمزية، والحرفية، ويظل حاضرًا بقوة في حياة العرب المعاصرة، جامعًا بين الأصالة والحداثة.